يرى أبو العيال أن تهمة استغلال الرجل للمرأة واحتقارها قد سقطت بالتقادم، لأنه إن كان قد استعبدها في عصر الظلمات، فإننا الآن في عصر الإنصاف والمصالحة ولكن هناك جهات أخرى مازالت تحتقر المرأة وتستعبدها أبشع استعباد، تفضل أبا العيال اصْدَعْ بكلمة حق
كانت المرأة في القديم محتقرة بتفاوت بين القبائل والجهات، فمنهم من اعتبرها مصونة محروسة فأقفل دونها الأبواب، وحجبها بالأسوار والأثواب ومنهم من أطلق سراحها لغرض في نفسه، فهي التي تجني الأشجار، وتبيع الثمار، وتحمل الأوزار، والرجل مثل شهريار في المقهى أو الدار
كان هذا قديما، ثم دارت الأيام، وهبَّت نسائم الحرية، فخرجت المصونة من خدرها، وتحررت المستعبدة من ربقها، وبعد طول مكابدة، وتوعية ومساعدة، استطاعت المرأة أن تحقق الكثير، مقارنة ببنات الوطن العربي الكبير
فإذا كان الرجل قد استعبدها في عصر الظلمات، فإننا في عصر الإنصاف والمصالحة، وعفا الله عما سلف، بشرط ألا يعود إلى الصَّلَف وَهَبْهُ قد عاد، فإن هناك ترسانة من القوانين، آخرها المدونة، وجمعيات حقوقية محصنة، كلها تنصب من نفسها مدافعاً عن المرأة فلن يشاكس اليوم امرأة إلا من تخلف عن زمانه، أو حُمَّ رأسه فاشتغل بهذيانه
ولكن الطامة الكبرى ليست في الرجل، بل في وسائل أخرى أشد فتكا، لأن تعسفات الرجل عبارة عن حالات منعزلة يمكن محاصرتها إن بالترغيب أو الترهيب، أما تأثير وسائل الإعلام فإنه ينتشر كالنار في الهشيم، ويصيب الناس في الصميم
أستشهد بوصلات الإشهار التي تبث على القناتين الرسميتين، وعلى أمواج إذاعات باللغتين، تأملوا معي هذه الأطباق الرديئة، الملوثة للذوق والبيئة
تظهر على الشاشة، صورة تجمع عائلة مرحة تستهلك نوعاً من الجبن، كل فرد منها يستحسن هذا الجبن ويشيد بمزاياه، لكن المستفز هو رد الرجل/الأب على تدخل المرأة/الزوجة، تقول هي الفروماج مصنوع من الحليب، فيستدرك عليها زوجها باستعلاءواش كاين شي فروماج ما مصنوعش من الحليب؟ سبحان الله الحكمة والمعرفة حكر على الرجال، ولا عقل لربات الحجال
صورة أخرى وَصْفَتُهَا واحدة، ولكنها قدمت في أطباق مختلفة، كلها رديئة، نأخذ منها اللقطة المعبرة عما نحن بصدده الرجل طيبي بزيت كذا أو نجيب عليك يعني تلميحا الضرة، فتقاطعه زوجته مذعورة ?آش تجيب؟? فيجيبها نجيب زيت كذا فتتنفس الزوجة الصعداء
فهاهو الرجل على الصعيد الرسمي يشهر سيف التعدد، أو لنقل إنه يرسخ هذا النوع من التفكير، لأن الإشهار صناعة لأجيال مستقبلية تقتنع بالخطاب
مثال ثالث يسأل الرجل زوجته أي نوع من الشاي تستعملين؟ تجيبه هي بسلبية مطلقة بالشاي الذي فيقاطعها نهرا دعيني من تلك الأنواع ونوضي لقمي لي شي براد بالشاي كذا المرأة المسكينة لا تفقه شيئا، كل ما في وسعها هو تلبية رغبات الرجل، ومعرفة ما يرضيه بدون تعليق
ومثال رابع الرجل- آش من صابون باش تتصبني؟
المرأة أستعمل مسحوق
الرجل ?مقاطعا? عْلِيها سحقتيلي الحوايج لا تستعملي المسحوق استعملي صابون كذا
المرأة هنا تسحق يديها من أجل تنظيف ثياب الرجل، وعوض أن يشكرها، يتهمها بأنهاسحقت حوائجه، عجيب هذا المنطق ?الماكلة فينا واللعنة فينا مثال أخير، ويتعلق بالتنظيف أيضا، ولكنه هذه المرة من بونظيف نفسه، ففي حملة للنظافة ظهر ملصق عليه أبناء بونظيف وزوجته منهمكين في جمع الأزبال وتنظيف المكان، أما بونظيف فقد وضع يداً على يد مراقباً، وقد نتصوره آمراً ناهياً، لكنه يربأ بنفسه عن النزول إلى دنيا الناس ليشاركهم في التنظيف، فهو من طينة الرجال والتنظيف من اختصاص العيال، هذا الملصق علق في كل المدارس والمستشفيات والمقاطعات، ومازال إلى اليوم محتفظاً به يشع إشعاعاً، والله أعلم بنوع الإشعاع الذي يُرسل، إن كان مرتباً أو منضباً، وأحلاهما مر
وبعد كل هذا أليس أبو العيال أرحم؟ بلى والله إنه يشتط ويندم، وبعياله يرأم
إدريس اعفارة